فصل: فوائد تتعلق بهذه الأخبار

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير **


 فوائد تتعلق بخبر هذه العقبة

قول البراء نمنعك مما نمنع منه أزرنا‏:‏ العرب تكني عن المرأة بالأزرار وتكني به أيضاً عن النفس وتجعل الثوب عبارة عن لابسه ويحتمل هنا الوجهين‏.‏

قاله السهيلي‏.‏

قال ومعرور معناه مقصود ورأيت بخط جدي أبي بكر محمد بن أحمد رحمه الله‏:‏ البراء في اللغة ممدود‏:‏ آخر ليلة من الشهر وبها سمي البراء بن معرور وكانت العرب تسمي بما تسمعه حال ولادة المولود‏.‏

قلت وابنه بشر بن البراء الذي سوده رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني سلمة كما ذكر ابن اسحق وكما أنبأنا محمد بن أبي الفتح الصوري بقراءة الحافظ أبي الحجاج المزي عليه وأنا أسمع أخبركم أبو القاسم بن الحرستاني قراءة عليه وأنتم تسمعون فأقر به قال أنا أبو الحسن بن قبيس قال أنا أبو الحسن بن أبي الحديد قال أنا جدي أبو بكر قال أنا أبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي ثنا أبو بكر أحمد بن منصور الرماري ثنا عبد الرزاق قال أنا معمر عن الزهري عن أبي بن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبني ساعدة من سيدكم قالوا جد بن قيس قال بم سودتموه قالوا إنه أكثرنا مالاً وإنا على ذلك لنزنه بالبخل فقال النبي صلى الله عليه وسلم وأي داء أدوا من البخل قالوا فمن قال سيدكم بشر بن البراء بن معرور وكان أول من استقبل القبلة حياً وميتاً وكان يصلي إلى الكعبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى بيت المقدس فأطاع النبي صلى الله عليه وسلم فلما حضره الموت قال لأهله استقبلوا بي الكعبة كذا روينا في هذا الخبر‏.‏

وروينا عن عمرو بن دينار ومحمد ابن المنكدر والشعبي من طريق ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بل سيدكم الجعد الأبيض عمرو بن الجموح‏.‏

وذكره السهيلي عن الزهري والذي وقع لنا عن الزهري كرواية ابن اسحق وأنشد أبو عمر في ذلك لشاعر الأنصار‏:‏ وقال رسول الله والحق قوله لمن قال منا من تعدون سيدا فقلنا له جد بن قيس على التي نبخله فيها وما كان أسودا في أبيات ذكرها‏.‏

وقد بقي علينا في الخبر الذي أسندناه آنفاً موضعان ينبغي التنبيه عليهما أحدهما قوله لبني ساعدة وليس بشيء ليس في نسب هؤلاء ساعدة هم بنو سلمة ابن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج‏.‏

والثاني قوله في بشر بن البراء وكان أول من استقبل الكعبة حياً وميتاً وإنما ذلك أبو البراء غير شك‏.‏

كذلك رويناه فيما سلف وكذلك رويناه عن أبي عروبة ثنا ابن شبيب ثنا عبد الرزاق قال أنا معمر قال قال الزهري‏:‏ البراء بن معرور أول من استقبل القبلة حياً وميتاً‏.‏

وذكر يزيد بن خزام هو عند ابن اسحق وعند موسى ابن عقبة يزيد بن خدارة وعند أبي غمر يزيد بن حرام ويزيد بن خزمة - بسكون الزاي عند ابن اسحق وابن الكلبي وفتحها الطبري - وهو يزيد بن ثعلبة ابن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة - بفتح العين وتشديد الميم‏.‏وفروة بن عمرو بن وذقة عند ابن اسحق بالذال المعجمة وقال ابن هشام بالدال المهملة ورجحه السهيلي وفسر الودقة بالروضة الناعمة‏.‏

وقال وإنما جعل النبي صلى الله عليه وسلم النقباء اثني عشر اقتداء بقوله سبحانه في قوم موسى ‏"‏ وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً ‏"‏ وقوله يا أهل الجباجب يعني منازل منى‏.‏

وأزب العقبة شيطان‏.‏

وقوله بل الدم الدم والهدم الهدم‏:‏ قال ابن هشام الهدم بفتح الدال وقال ابن قتيبة كانت العرب تقول عند عقد الحلف والجوار دمي دمك وهدمي هدمك إي ما هدمت من الدماء هدمته أنا قال ويقال أيضاً بل اللدم اللدم والهدم الهدم وأنشد ثم الحقي بهدمي ولدمي فاللدم جمع لادم وهم أهله الذين يلتدمون عليه إذا مات وهو من لدمت صدره إذا ضربته‏.‏

والهدم قال ابن هشام الحرمة وإنما كنى عن حرمة الرجل وأهله بالهدم لأنهم كانوا أهل نجعة وارتحال ولهم بيوت يستخفونها يوم ظعنهم فكلما ظعنوا هدموها والهدم بمعنى المهدوم كالقبض ثم جعلوا وهو البيت المهدوم عبارة عما حوى ثم قالوا هدمي هدمك أي رحلتي رحلتك‏.‏

 الهجرة إلى المدينة

قال ابن اسحق فلما تمت بيعة هؤلاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة العقبة وكانت سراً عن كفار قومهم وكفار قريش أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان معه بالهجرة إلى المدينة فخرجوا أرسالاً أولهم فيما قيل أبو سلمة ابن عبد الأسد المخزومي وحبست عنه امرأته أم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بمكة نحو سنة ثم أذن لها بنو المغيرة الذين حبسوها في اللحاق بزوجها فانطلقت وحدها مهاجرة حتى إذا كانت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة أخا بني عبد الدار وكان يومئذ مشركاً فشيعها حتى أوفى على قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال لها هذا زوجك في هذه القرية ثم انصرف راجعاً إلى مكة فكانت تقول ما رأيت صاحباً قط كان أكرم من عثمان بن أبي طلحة‏.‏

وقد قيل إن أول المهاجرين مصعب بن عمير‏.‏

روينا عن أبي عروبة ثنا ابن بشار وابن المثنى قالا ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي اسحق قال سمعت البراء يقول كان أول من قدم المدينة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير ثم عامر ابن ربيعة حليف بني عدي بن كعب مع امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن غانم‏.‏

قال أبو عمر وهي أول ظعينة دخلت من المهاجرات المدينة‏.‏

وقال موسى بن عقبة وأول امرأة دخلت المدينة أم سلمة ثم عبد الله بن جحش لن رئاب بأهله وأخيه عبد بن جحش أبي أحمد وكان ضريراً وكان منزلهما ومنزل أبي سلمة وعامر على مبشر بن عبد المنذر بن زنبر بقباء في بني عمرو بن عوف‏.‏

قال أبو عمر وهاجر جميع بني جحش بنسائهم فعدا أبو سفيان على دارهم فتملكها وكانت الفارعة بنت أبي سفيان بن حرب تحت أبي أحمد بن جحش وزاد غير أبي عمر فباعها من عمرو ابن علقمة أخي بني عامر بن لؤي فذكر ذلك عبد الله بن جحش لما بلغه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ترضى يا عبد الله أن يعطيك الله بها داراً في الجنة خيراً منها قال بلى قال فذلك لك فلما افتحح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة كلمه أبو أحمد في دارهم فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الناس لأبي أحمد يا أبا أحمد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره أن ترجعوا في شيء أصيب منكم في الله فأمسك عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏رجع إلى خبر ابن اسحق‏:‏ وكان بنو غنم بن دودان أهل إسلام قد أوعبوا إلى المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هجرة رجالهم ونساءهم عكاشة بن محصن ابن حرثان بن قيس بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة أبو محصن حليف بني أمية وأخوه عمرو بن محصن وشجاع وعقبة ابنا وهب بن ربيعة ابن أسد بن صهيب بن مالك بن كبير بن عنم بن دودان بن أسد بن خزيمة وأربد بن جميرة - وقال ابن هشام حميرة بالحاء وهو عند ابن سعد حمير - ومنقذ بن نباتة بن عامر بن غنم بن دودان وسعيد بن رقيش وقيس بن جابر ومالك بن عمرو وصفوان ابن عمرو وثقف بن عمرو حليف بني عبد شمس وربيعة بن أكتم بن سخبرة ابن عمرو بن لكيز بن عامر بن غنم بن دودان بن أسد والزبير بن عبيدة وتمام بن عبيدة وسخبرة بن عبيدة ومحمد بن عبد الله بن جحش‏.‏

ومن نسائهم زينب بنت جحش وأم حبيبة بنت جحش وجدامة بنت جندل وأم قيس بنت محصن وأم حبيبة بنت ثمامة وآمنة بنت رقيش وسخبرة بنت تميم وحمنة بنت جحش‏.‏

وقال أبو عمر ثم خرج عمر بن الخطاب وعياش بن أبي ربيعة في عشرين راكباً فقدموا المدينة فنزلوا في العوالي في بني أمية بن زيد وكان يصلي بهم سالم مولى أبي حذيفة وكان أكثرهم قرآناً وكان هشام بن العاص بن وائل قد أسلم وواعد عمر بن الخطاب أن يهاجر معه وقال تجدني أو أجدك عند إضاءة بني غفار ففطن لهشام قومه فحبسوه عن الهجرة‏.‏

ثم إن أبا جهل والحرث بن هشام - ومن الناس من يذكر معهما أخاهما العاصي بن هشام - خرجا حتى قدما المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فكلما عياش بن أبي ربيعة وكان أخاهما لأمهما وابن عمهما وأخبراه أن أمه قد نذرت أن لا تغسل رأسها ولا تستظل حتى تراه فرقت نفسه وصدقهما وخرج راجعاً معهما فكتفاه في الطريق وبلغا به مكة فحبساه بها إلى أن خلصه الله تعالى بعد ذلك بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له في قنوت الصلاة اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة‏.‏

قال ابن اسحق فحدثني بعض آل عياش بن أبي ربيعة أنهما حين دخلا مكة دخلا به نهاراً موثقاً ثم قالا يا أهل مكة هكذا ففعلوا بسفهائكم كما فعلنا بسفيهنا هذا‏.‏

قال ابن هشام وحدثني من أثق به أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو بالمدينة من لي بعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص فقال الوليد بن الوليد بن المغيرة أنا لك يا رسول الله بهما فخرج إلى مكة فقدمها مستخفياً فلقي امرأة تحمل طعاماً فقال لها أين تريدين يا أمة الله فقالت أريد هذين المحبوسين تعنيهما فتبعها حتى عرف موضعهما وكانا محبوسين في بيت لا سقف له فلما أمسى تسور عليهما ثم أخذ مروة فوضعها تحت قيديهما ثم ضربهما بسيفه فقطعهما فكان يقال السيف ذو المروة لذلك ثم حملهما على بعيره وساق بهما فعثر فدميت إصبعه فقال‏:‏ هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت ثم قدم بهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة‏.‏

قال ابن اسحق ونزل عمر بن الخطاب حين قدم المدينة ومن لحق به من أهله وقومه وأخوه زيد بن الخطاب وعمرو وعبد الله ابنا سراقة بن المعتمر بن أنس بن أداة بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب وخنيس بن حذافة السهمي وكان صهره على ابنته حفصة بنت عمر بن الخطاب خلف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وواقد بن عبد الله التميمي حليف لهم وخولي بن أبي خولي ومالك بن أبي خولي واسم أبي خولي عمرو بن زهير قيل جعفي وقيل عجلي وقيل غير ذلك حليفان لهم وبنوا البكير أربعتهم إياس وعاقل وعامر وخالد حلفاؤهم من بني سعد بن ليث على رفاعة بن عبد المنذر بن زنبر في بني عمرو بن عوف بقباء وقد كان منزل عياش بن أبي ربيعة معه عليه حين قدما المدينة ثم تتابع المهاجرون فنزل طلحة بن عبد الله وصهيب بن سنان على خبيب ابن أساف ويقال بل نزل طلحة على سعد بن زرارة أخي بني النجار كذا قال ابن سعد وإنما هو أسعد‏.‏

قال ابن هشام وقد ذكر لي عن أبي عثمان النهدي أنه قال بلغني أن صهيباً حين أراد الهجرة قال له كفار قريش أتيتنا صعلوكاً حقيراً فكثر مالك عندنا وبلغت الذي بلغت ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك لا والله لا يكون ذلك فقال لهم صهيب أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي قالوا نعم فقال فإني قد جعلت لكم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ربح صهيب ربح صهيب‏.‏

قال ابن اسحق ونزل حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة وأبو مرثد كناز بن الحصين بن يربوع بن عمرو بن يربوع بن خرشة بن سعد بن طريف بن جلان بن غنم بن غني بن يعصر الغنوي كذا ذكره أبو عمر عن ابن اسحق‏.‏

وأما ابن الرشاطي فقال حصين بن عمرو بن يربوع بن طريف بن خرشة بن عبيد بن سعد بن عوف بن كعب بن جبلان بن غنم بن غني وابنه مرثد وأنسة وأبو كبشة موليا رسول الله صلى الله عليه وسلم على كلثوم بن هدم أخي بني عمرو ابن عوف بقباء ويقال بل نزلوا على سعد بن خيثمة ويقال بل نزلوا حمزة بن عبد المطلب على أسعد بن زرارة ونزل عبيد بن الحرث وأخواه الطفيل والحصين ومسطح بن أثاثة واسمه عمرو بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي وسويبط بن سعد بن حرملة وطليب بن عمير وخباب مولى عتبة بن غزوان على عبد الله بن سلمة أخي بني العجلان بقباء ونزل عبد الرحمن بن عوف في رجال من المهاجرين على سعد بن الربيع ونزل الزبير بن العوام وأبو سبرة بن أبي رهم على منذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح ونزل مصعب بن عمير على سعد بن معاذ ونزل أبو حذيفة بن عتبة وسالم مولى أبي حذيفة وعتبة بن غزوان على عباد بن بشر بن وقش ونزل عثمان بن عفان على أوس بن ثابت أخي حسان ويقال بل نزل الأعزاب من المهاجرين على سعد بن خيثمة وذلك أنه كان عزباً وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يؤذن له في الهجرة ولم يتخلف معه أحد من المهاجرين إلا من حبس أو افتتن إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر وكان أبو بكر كثيراً ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فيقول له لا تعجل لعل الله أن يجعل لك صاحباً فيطمع أبو بكر أن يكون هو‏.‏

 يوم الزحمة

قال ابن اسحق‏:‏ ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كانت له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم عرفوا أنهم قد نزلوا داراً وأصابوا منعة فحزروا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم فاجتمعوا له في دار الندوة وهي دار قصي ابن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمراً إلا فيها يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خافوه‏:‏ فحدثني من لا أتهم من أصحابنا عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد بن جبر أبي الحجاج وغيره ممن لا أتهم عن عبد الله بن عباس قال لما اجتمعوا لذلك واتعدوا أن يدخلوا دار الندوة ليتشاوروا فيها في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم غدوا في اليوم الذي اتعدوا له وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة فاعترضهم إبليس لعنه الله في هيئة شيخ جليل عليه بت له فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفاً على بابها قالوا من الشيخ قال شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى أن لا يعدمكم منه رأياً ونصحاً قالوا أجل فادخل فدخل معهم وقد اجتمع فيها أشراف قريش من بني عبد شمس عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو سفيان بن حرب‏.‏

ومن بني نوفل ابن عبد مناف طعيمة بن عدي وجبير بن مطعم والحرث بن عمرو بن نوفل‏.‏

ومن بني عبد الدار بن قصي النضر بن الحرث بن كلدة‏.‏

ومن نبي أسد بن عبد العزى أبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود وحكيم بن حزام‏.‏

ومن بني مخزوم أبو جهل بن هشام‏.‏ومن بني سهم نبيه ومنبه ابنا الحجاج‏.‏

ومن بني جمح أمية بن خلف أو من كان منهم وغيرهم ممن لا يعد من قريش فقال بعضهم لبعض إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم وإنا والله ما نأمنه على الوثوب علينا بمن قد اتبعه من غيرنا فاجمعوا فيه رأياً قال فتشاوروا ثم قال قائل منهم احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه باباً ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله زهير والنابغة ومن مضى منهم من هذا الموت حتى يصيبه ما أصابهم قال الشيخ النجدي لا والله ما هذا لكم برأي والله لو حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه فلأوشكوا أن يثبتوا عليكم فينتزعوه من أيديكم ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم ما هذا لكم برأي فانظروا إلى غيره فتشاوروا ثم قال قائل منهم نخرجه من بين أظهرنا فننفيه من بلادنا فإذا خرج عنا فوالله ما نبالي أين يذهب ولا حيث وقع إذا غاب عنا وفرغنا منه فأصلحنا أمرنا وألفتنا كما كانت قال الشيخ النجدي والله ما هذا لكم برأي ألم تروا حسن حديثه وحلاوة منطقه وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي به والله لو فعلتم ذلك ما أمنت أن يحل على حي من العرب فيغلب بذلك عليهم من قوله وحديثه حتى يبايعوه ثم يسير بهم إليكم حتى يطأكم بهم فيأخذ أمركم من أيديكم ثم يفعل بكم ما أراد أديروا فيه رأياً غير هذا قال فقال أبو جهل بن هشام والله إن لي فيه لرأياً ما أراكم وقعتم عليه بعد قالوا وما هو يا أبا الحكم قال أرى أن تأخذوا من كل قبيلة فتى شاباً جلداً نسيباً وسيطاً ثم نعطي كل فتى منهم سيفاً صارماً ثم يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعاً فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعاً فرضوا منا بالعقل فعقلناه لهم قال الشيخ النجدي القول ما قال هذا الرجل هذا الرأي ولا رأي غيره فتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون له فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه قال فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام فيثبون عليه فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم قال لعلي بن أبي طالب نم على فراشي وتسج ببردي هذا الحضرمي الأخضر فنم عليه فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام‏.‏

فحدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال لما اجتمعوا وفيهم أبو جهل بن هشام فقال وهم على بابه إن محمداً يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت جنان كجنان الأردن وإن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم نار تحرقون فيها قال وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ حفنة من تراب في يده ثم قال نعم أنا أقول ذلك وأنت أحدهم وأخذ الله أبصارهم عنه فلا يرونه فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو هذه الآيات ‏"‏ يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم ‏"‏ إلى قوله ‏"‏ فأغشيناهم فهم لا يبصرون ‏"‏ حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الآيات ولم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه تراباً ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب فأتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال وما تنتظرون هاهنا قالوا محمداً قال قد خيبكم الله قد والله خرج عليكم محمد ثم ما ترك منكم رجلاً إلا وقد وضع على رأسه تراباً وانطلق لحاجته أفما ترونها بكم قال فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب ثم جعلوا يطلعون فيرون علياً على الفراش متسجياً ببرد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون والله إن هذا لمحمد نائم عليه برده فلم يزالوا كذلك حتى أصبحوا فقام علي على الفراش فقالوا والله لقد صدقنا الذي كان حدثنا فكان مما أنزل الله من القرآن في ذلك ‏"‏ وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ‏"‏ وقول الله تعالى ‏"‏ أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون قل تربصوا فإني معكم من المتربصين ‏"‏‏.‏

 فوائد تتعلق بهذه الأخبار

قوله بقباء هو مسكن بني عمرو بن عوف على فرسخ من المدينة ويمد ويقصر ويؤنث ويذكر ويصرف ولا يصرف‏.‏

وذكر في مهاجري بني دودان بن أسد بنات جحش بن رئاب وهن زينب وكان اسمها برة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب وهي التي كانت عند زيد بن حارثة ونزلت فيها ‏"‏ فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها ‏"‏ وحمنة بنت جحش وهي التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف وأم حبيبة وقال السهيلي أم حبيب وحكاه أبو عمر وقال هو قول أكثرهم وكان شيخنا الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي رحمه الله يقول أم حبيب حبيبة وأما الحافظ أبو القاسم بن عساكر فعنده أم حبيبة واسمها حمنة فهما اثنتان على هذا فقط ولم أجد في جمهرة ابن الكلبي وكتاب أبي محمد بن حزم في النسب غير زينب وحمنة والسهيلي يقول كانت زينب عند زيد بن حارثة وأم حبيب تحت عبد الرحمن بن عوف وحمنة تحت مصعب بن عمير‏.‏

قال ووقع في الموطأ وهم أن زينب كانت تحت عبد الرحمن بن عوف ولم يقله أحد والغلط لا يسلم منه بشر غير أن شيخنا أبا عبد الله محمد بن نجاح أخبرنا أن أم حبيب كان اسمها زينب فهما زينبان غلبت على إحداهما الكنية فعلى هذا لا يكون في حديث الموطأ وهم‏.‏

وذكر جدامة بنت جندل - وهي بالدال المهملة ومن أعجمها فقد صحف - قال السهيلي وأحسبها جدامة بنت وهب‏.‏

قلت جدامة بنت جندل غير معروفة والذي ذكره أبو عمر جدامة بنت وهب أسلمت بمكة وهاجرت مع قومها إلى المدينة لا يعرف غير ذلك‏.‏

وذكر في المهاجرين محرز بن نضلة وابن عقبة يقول فيه محرز بن وهب‏.‏

وذكر في خبر يوم الزحمة تشاور قريش في أمره عليه السلام ولم يسم المشيرين وكان الذي أشار بحبسه أبو البختري بن هشام والذي أشار بإخراجه ونفيه هو أبو الأسود ربيعة بن عمير أخو بني عامر بن أحاديث الهجرة وتوديع الرسول مكة قرأت على أبي حفص عمر بن عبد المنعم بعربيل من غوطة دمشق أخبركم أبو القاسم عبد الصمد بن محمد الأنصاري حضوراً في الرابعة قال أنا أبو الحسن السلمي قال أنا أبو نصر الحسين بن محمد بن أحمد بن طلاب الخطيب قال أنا ابن جميع ثنا إبراهيم بن معاوية ثنا عبد الله بن سليمان ثنا نصر بن عاصم ثنا الوليد ثنا طلحة عن عطاء عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأخرج منك وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلى الله وأكرمها على الله تعالى ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك‏.‏

وكان أبو بكر يستأذنه عليه السلام في الهجرة فيثبطه ليكون معه من غير أن يصرح له بذلك كما أخبرنا الإمام أبو عبد لله محمد بن إبراهيم المقدسي بقراءة والدي عليه وأنا حاضر في الرابعة وأبو عبد الله محمد بن عبد المؤمن بقراءتي عليه بظاهر دمشق قالا أخبرنا أبو ملاعب قال أنا الأرموي قال أنا يوسف بن محمد بن أحمد قال أنا أبو عمر بن مهدي قال أنا ابن مخلد ثنا ابن كرامة ثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت استأذن أبو بكر في الخروج من مكة حين اشتد عليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أقم فقال يا رسول الله أتطمع أن يؤذن لك فيقول إني لأرجو ذلك فانتظره أبو بكر ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم آت يوم ظهراً فناداه فقال اخرج من عندك فقال يا رسول الله إنما هنا ابنتاي قال شعرت أنه قد أذن لي في الخروج فقال يا رسول الله الصحبة فقال الصحبة قال يا رسول الله عندي ناقتان قد أعدتهما للخروج فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم إحداهما وهي الجدعاء فركبها وانطلقا حتى أتيا الغار وهو بثور فتواريا فيه وكان عامر بن فهيرة غلاماً لعبدة بن طفيل وهو أخو عائشة لأمها وكانت لأبي بكر منحة فكان يروح بها ويغدو عليها ويصبح فيدلج إليهم ثم يسرح ولا يفطن له أحد من الرعاء فلما خرجا خرج معهما يعقبانه حتى قدم المدينة فقتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة‏.‏

 حديث الغار

قرأت على أبي الفتح الشيباني بدمشق أخبركم الحسن بن علي بن الحسين بن الحسن بن محمد بن البن الأسدي قراءة عليه وأنت تسمع قال أنا جدي قال أنا أبو القاسم بن أبي العلاء قال أنا ابن أبي النصر قال أنا خيثمة ثنا عبد الله بن أحمد الدورقي ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا عوف بن عمرو القيسي أخو رياح القيسي ثنا أبو مصعب المكي قال أدركت أنس بن مالك وزيد بن أرقم والمغيرة ابن شعبة فسمعتهم يتحدثون أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الغار أمر الله شجرة فنبتت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فسترته وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار وأقبل فتيان قريش من كل بطن بعصيهم وهراويهم وسيوفهم حتى إذا كانوا من النبي صلى الله عليه وسلم على أربعين ذراعاً تعجل بعضهم ينظر في الغار فلم ير إلا حمامتين وحشيتين بفم الغار فرجع إلى أصحابه فقالوا له مالك قال رأيت حمامتين وحشيتين فعرفت أنه ليس فيه أحد فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ما قال فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل قد درأ عنه‏.‏

 حديث الهجرة وخبر سراقة بن مالك بن جعشم

روينا من طريق البخاري ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن عقيل قال ابن هشام فأخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية فلما ابتلى المسلمون خرج أبو بكر مهاجراً نحو أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد الغارة فقال أين تريد يا أبا بكر قال أبو بكر أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي قال ابن الدغنة فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج إنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق فأنا لك جار فارجع فاعبد ربك ببلدك فرجع وارتحل مع ابن الدغنة فطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش فقال لهم إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج أتخرجون رجلاً يكسب المعدوم ويصل الرحم ويتحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق فلم يكذب قريش بجوار ابن الدغنة وقالوا لابن الدغنة مر أبا بكر فليعبد ربه في داره فليصل فيها وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به فإنا نخشى أن يفتتن نساءنا وأبناءنا فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربه في داره ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجداً بفناء داره فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم وهم يعجبون منه وينظرون إليه وكان أبو بكر رجلاً بكاء لا يكاد يملك عينيه إذا قرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره فقد جاوز ذلك فابتنى مسجداً بفناء داره فأعلن بالصلاة والقراءة فيه وإنا قد خشينا أن يفتتن نساءنا وأبناءنا بهذا فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل وإن أبى إلا أن يعلن بذلك فسله أن يرد إليك ذمتك فإنا قد كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان قالت عائشة فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر فقال قد علمت الذي عاقدت لك عليه فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترجع إلي ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له فقال له أبو بكر فإني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين إني رأيت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين وهما الحرتان فهاجر من هاجر قبل المدينة ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة وتجهز أبو بكر قبل المدينة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي فقال أبو بكر هل ترجو ذلك بأبي أنت قال نعم فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه وعلف راحلتين عنده ورق السمر وهو الخبط أربعة أشهر‏.‏

قال ابن شهاب قال عروة قالت عائشة فبينا نحن جلوس يوماً في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنعاً في ساعة لم يكن يأتينا فيها فقال أبو بكر فدى له أبي وأمي والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر قالت فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له فدخل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر اخرج من عندك فقال أبو بكر إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله قال فإنه قد أذن لي في الخروج فقال أبو بكر الصحابة بأبي أنت يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قال أبو بكر فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل بالثمن قالت عائشة فجهزناهما أحت الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاقين قالت ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل ثور فمكثا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف لقن فيدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش بمكة كبائت فلا يسمع أمراً يكتادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين يذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل وهو لبن منحتهما ورضيفهما حتى ينعق بهما عامر بن فهيرة بغلس يفعل في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر من بني الديل وهو من بني عبد بن عدي هادياً خريتاً - والخريت الماهر بالهداية - قد غمس حلفاً في آل العاص بن وائل السهمي وهو على دين كفار قريش فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم على طريق السواحل‏.‏

قال ابن شهاب وأخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي وهو ابن أخي سراقة بن مالك بن جعشم أن أباه أخبره أنه سمع سراقة بن مالك بن جعشم يقول جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر دية كل واحد لمن قتله أو أسره فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس فقال يا سراقة إني قد رأيت آنفاً أسودة بالساحل أراها محمداً وأصحابه قال سراقة فعرفت أنهم هم فقلت إنهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلاناً وفلاناً انطلقوا بأعيننا ثم لبثت في المجلس ساعة ثم قمت فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي وهي من وراء أكمة فتحبسها علي وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت فخططت بزجه وخفضت عاليه حتى أتيت فرسي فركبتها فرفعتها تقرب بي حتى دنوت منهم فعثرت بي فرسي فخررت عنها فقمت فأهويت بيدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرهم أم لا فخرج الذي أكره فركبت فرسي وعصيت الأزلام تقرب بي حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر الالتفات ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان ساطع في السماء مثل الدخان فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره فناديتهم بالأمان فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له إن قومك جعلوا فيك الدية وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني ولم يسألاني إلا أن قالا أخف عنا فسألته أن يكتب لي كتاب أمن فأمر عامر بن فهيرة فكتب لي في رقعة من أدم ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال ابن شهاب فأخبرني عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجاراً قافلين من الشام فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثياب بياض‏.‏

وسمع المسلمون بالمدينة خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة فانقلبوا يوماً بعد ما أطالوا انتظارهم فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه فبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته يا معشر العرب هذا جدكم الذي تنتظرون فثار المسلمون إلى السلاح فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرة فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف وذلك في يوم الاثنين من شهر ربيع الأول فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتاً فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيي أبا بكر حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر فظلل عليه بردائه فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة وأسس المسجد الذي أسس على التقوى وصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ركب راحلته فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين وكان مربداً للتمر لسهل وسهيل غلامين يتيمين في حجر سعد بن زرارة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بركت به راحلته هذا إن شاء الله تعالى المنزل ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً فقالا بل نهبه لك يا رسول الله‏.‏

وقع في البخاري في رواية أبي ذر عن أبي الهيثم الكشميهني عن الفربري هنا زيادة فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما ثم بناه مسجداً فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم اللبن في بنائه ويقول وهو ينقل اللبن‏:‏ هذا الحمال لا حمال خيبر هذا أبر ربنا وأطهر اللهم إن الأجر أجر الآخرة فارحم الأنصار والمهاجرة تمثل بشعر رجل من المسلمين لم يسم لي‏.‏

قال ابن شهاب ولم يبلغنا في الأحاديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمثل ببيت شعر تام غير هذه الأبيات‏.‏

كذا وقع في هذا الخبر أن الذي كسا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر الزبير وذكر موسى ابن عقبة أنه طلحة بن عبيد الله في خبر ذكره‏.‏

وروينا من طريق البخاري أن أبا بكر كان يسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم من هذا فيقول هذا الرجل يهديني الطريق قال فيحسب الحاسب أنه يعني الطريق وإنما يعني سبيل الخير‏.‏

وروينا من طريق ابن اسحق أنه عليه السلام أعلم علياً بخروجه وأمره أن يتخلف بعده حتى يؤدي عنه الودائع التي كانت عنده للناس وأن أبا بكر خرج بماله كله وهو فيما قيل خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم‏.‏

أخبرنا عبد الله بن أحمد بن فارس ويوسف بن يعقوب بن المجاور قراءة على الأول وأنا أسمع بالقاهرة وبقراءتي على الثاني بسفح قاسيون قالا ثنا أبو اليمن الكندي قال أخبرنا هبة الله بن أحمد الحريري قال أنا أبو طالب العشاري قال أنا أبو الحسين بن سمعون ثنا عمر بن الحسن بن علي بن مالك قال أنا يحيى بن إسماعيل الجريري ثنا جعفر بن علي ثنا سيف عن بكر بن وائل الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحد أمن علي في صحبته وذات يده من أبي بكر وما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً‏.‏

وجهل أهل مكة الخبر عنهم إلى أن سمعوا الهاتف بالشعر الذي فيه ذكر أم عبد فعلموا أنهم توجهوا نحو يثرب وأنهم قد نجوا منهم‏.‏